تُعاني المرأة مشكلات جنسية عديدة ومتنوّعة في حياتها الجنسية الزوجية؛ خاصة أن حالتها الجنسية مرتبطة بحالاتها الفسيولوجية والهرمونية أثناء الدورة الشهرية، وخلال فترات الحمل والوضع والرضاعة وسنّ الأمان.
كما أن المرأة تحجم غالبا عن البوح بمشكلاتها الجنسية، وقلما تسعى للاستشارات الطبية، وإن فعلت فغالبا تحت ستار المشكلات التناسلية، والأسباب عديدة؛ وأهمها جهلها لطبيعة جسدها واحتياجاتها النفسية والجنسية، وحدود ما هو طبيعي وغير طبيعي في حياتها الجنسية.
معدّل حدوث الاضطرابات الجنسية عند المرأة
حدوث الاضطرابات الجنسية عند النساء يعتبر أمرا صعبا جدا، وقد يحدث أن يقارن الرجل زوجته أو تقارن المرأة نفسها بما يحكيه بعض المحيطين.. وتتصوّر أن أداء الآخرين هو المستوى الطبيعي للأداء، وبالتالي فإن أي انحراف عن هذا المستوى يعني وجود خلل واضطراب.
والعصر الذي نعيش فيه قد ضاعف من حجم هذه المشكلة؛ من خلال غزو المواقع الإباحية التي صنعت تصوّرات وتوقّعات مبالَغ فيها لشكل المتعة الجنسية.
وأصبح الاهتمام منصبّا في مجمله على القصور عند الرجال، وجمعت مشكلات المرأة الجنسية كلها تحت مصطلح شديد العمومية وغير دقيق على الإطلاق، وهو "البرود الجنسي".
وقد تمّ تقسيم اضطرابات الحياة الجنسية للمرأة لأربعة أقسام:
- عطل الرغبة
- عطل الإثارة
- عطل الذروة (الأرجازم)
- الآلام المصاحبة للممارسة الجنسية
ولكن وقبل أن نُكمل حديثنا يجب أن نُؤكّد على حقيقة مهمة وضرورية؛ وهي أن البداية تكون بخلل ما في أي جانب من هذه الجوانب، ولكن الأمر يتطوّر بحيث يُؤدّي إلى اضطرابات أخرى؛ فقد تكون البداية خللا في الإثارة، ولأن المرأة لا تستمتع يحدث عندها اضطراب ثانوي في الرغبة، وقد تكون البداية خللا في الإثارة، وهو ما يُؤدّي لجفاف المهبل والآلام وتشنّج الفرج الثانوي، كما أن تأثير اضطرابات المرأة الجنسية لا يقتصر فقط عليها، ولكنه أيضا يُؤدّي إلى اضطرابات جنسية عند الرجل وتوتر العلاقة بين الزوجين على كل المستويات (الجنسية والعاطفية والحياتية).
أولا: عطل الرغبة الجنسية:
هو أن يقل أو ينعدم التفكير والرغبة في العلاقة الجنسية الزوجية، وغياب الرغبة يُؤدّي إلى انعدام الاستجابات الجنسية الجسدية المصاحبة للإثارة الجنسية، وقد تكون لدى الزوجة الرغبة الجنسية نظريا، ولكن لا تتحوّل هذه الرغبة إلى دافع لسبب أو لآخر، مع الأخذ في الاعتبار أن الرغبة الجنسية لدى المرأة تبدأ من بداية التفكير أو الإحساس بالحاجة الجنسية، وتتباين الرغبة من امرأة لأخرى، وفي المرأة نفسها تختلف من وقت لآخر وبين جماع وآخر.
ومن صور عطل الرغبة أن الزوجة لا تثار مطلقا بأي إثارة جسدية أو نفسية.
أسباب عطل الرغبة الجنسية:
أسبابه كثيرة وهي نفسية بالدرجة الأولى، وقد يشترك أكثر من سبب معا؛ ومنها:
- أن المرأة تحتاج إلى إثارة ومداعبة جنسية وتحفيز من الزوج، والمهم أن هذه الطبيعة الخاصة بالمرأة تجعل الكثيرين منا يعتقدون أن النساء أقل رغبة جنسية من الرجال، مع أنه ليس هناك ما يثبت هذا الاعتقاد.
- رسوخ بعض المفاهيم الخاطئة عن العلاقة الزوجية، والتربية المنغلقة الخاطئة التي تعتبر الجنس حتى بين الزوجين عادة قبيحة أو سلوكا غير مرغوب.
- خوف الزوجة من التعبير عن رغبتها حتى لا يتهمها زوجها أنها شهوانية، أو أنها ذات خبرة سابقة قبل الزواج.
- الخوف من نتائج وتبعات الجماع "من مسئوليات الزواج والإنجاب وتربية الأولاد".
- التعرّض لتجربة جنسية مؤلمة؛ مثل: التعرّض للتحرش الجنسي في الصغر، أو الاغتصاب.
- بعد إجراء عمليات جراحية كاستئصال الرحم أو الثدي.
- عطل الرغبة يصاحب بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب.
ثانيا: عطل الرضا الجنسي (ويشمل عطل الإثارة وعطل الذروة):
قد توجد الرغبة الجنسية لدى الزوجة، ولكنها لا تشعر بالإرضاء الجنسي، وأسباب هذا الخلل متعددة وكثيرة، ونحتاج قبل أن نذكرها أن نؤكّد على حقيقة مهمة، وهي أن الزوجة قد تحصل على الإرضاء الجنسي بدون الوصول إلى الذروة؛ حيث يشبعها ويرويها ويكفيها ما تستمتع به من تواصل وتوافق والتقاء مع الزوج والحبيب؛ سواء وصلت للذروة أو لم تصل لها، وسواء حدث هذا في كل أو بعض مرات الجماع.
وهذا الفهم لطبيعة المرأة يناقض التصوّر الذي يعتقده الكثيرون من أن الزوجة لا تصل للإرضاء الجنسي عن علاقتها بزوجها إلا إذا وصلت للذروة، وهو اعتقاد خاطئ، ويدلّل على خطئه أن معظم الأبحاث العلمية توضّح أن هناك نسبة ٣٠% من النساء لا يصلن للذروة ولو لمرة واحدة طوال حياتهن، ورغم ذلك فالكثيرون منهن يمارسن حياة جنسية مرضية ومشبعة.
وهذه الأبحاث أيضا أوضحت أن المرأة قد تصل لذروة الإشباع الجنسي من خلال إحدى طريقتين أو بكليهما معا:
عن طريق إثارة البظر
عن طريق إثارة الفرج
ومعظم الدراسات تشير إلى أن النسبة الكبرى من النساء يصلن للذروة من خلال إثارة البظر بأي وسيلة، ومن يمكنهن أن يصلن للذروة عن طريق الفرج فقط هن النسبة الأقل من النساء.
العوامل التي تؤثّر على بلوغ المرأة للذروة نجد ما يلي:
الالتهابات الحوضية، والختان (الطهارة)، وبتر البظر والشفرتين؛ كل هذا لها تأثير سلبي على الإثارة وبلوغ الذروة.
- ليس هناك إثبات أن الزوجة المتدينة أقل في الوصول للذروة عن الزوجة غير المتدينة.
- ليس هناك علاقة بين عدد المعاشرات والذروة، كما أن الزمن غير كفيل بتحقيق الذروة للزوجة التي لا تستطيع الوصول لها.
- لم يستطِع أحد أن يثبت أن الوصول للذروة يعتمد على عوامل هرمونية أو جسمية، وإن كانت بعض الدراسات توضّح أن معدّل حدوث الذروة يزداد حول فترة التبويض.
والزوجة التي تعاني عطل الذروة يمكنها أن تستفيد من تقوية عضلات الحوض باستخدام تدريبات "كيجل"، وفي هذه التدريبات يتمّ أولا التعرّف على عضلة الحوض (هي العضلة التي تستطيع أن توقف نزول البول بعد بدء التبوّل)، وبعد التعرّف على هذه العضلة يتم تدريبها عن طريق الانقباض والانبساط المتكرر، وتكرر هذه التدريبات على مدار اليوم مرات متعددة.
ثالثا: عطل الممارسة الجنسية (ويشمل الآلام المصاحبة للجماع وتشنّج الفرج الأولى والثانوي):
حيث تعاني الزوجة عدة اضطرابات عضوية أو جسدية موضعية؛ تُؤثّر على حياتها الجنسية، وتسبب آلاما أثناء الجماع، وهذه الآلام يمكن أن تكون سطحية أو مهبلية أو عميقة.
تحدث الآلام السطحية عند محاولة الإيلاج بسبب التوتّر (عطل تشنّج الفرج)، وعطل تشنج الفرج يمكن أن يكون أوليا أو ثانويا:
- عطل تشنج الفرج الأوّلي: يحدث في بداية الزواج عند بعض الزوجات؛ خاصة إذا كانت الزوجة لديها خوف من الجماع نتيجة لخبرات سماعية من أخريات عن ألم الجماع، وفض الغشاء ليلة الزفاف، أو لخوفها من المجهول، وربما بسبب تعرّضها لتجربة (تحرش أو اغتصاب قديمة).
أعراضه
يحدث تشنّج وتقلّص في عضلات الثلث الخارجي من الفرج، ويحدث ذلك بشكل انعكاسي لمجرد التفكير بالعلاقة الجنسية أو البدء بها؛ فعند الشروع في الجماع أو مجرد اقتراب الزوج من زوجته يحدث هذا التقلّص اللاإرادي المؤلم جدا، ويمكن أن يحدث معه بعض التقلّصات في الفخذين، وهو ما يمنع محاولة الولوج من الأساس.
العلاج
يتم من خلال برامج العلاج المعرفي السلوكي؛ حيث يتم تصحيح المعارف المغلوطة عند الزوجة، ويتمّ تدريبها على استخدام تدريبات الاسترخاء أثناء محاولات الإيلاج مع استخدام موسعات مهبلية متدرجة حتى نصل إلى حجم يقارب حجم العضو الذكري.
عطّل تشنج الفرج الثانوي: وفيه يحدث تشنّج فرج بعد ممارسة طبيعية للعلاقة الجنسية، ويحدث بسبب وجود آلام أثناء الجماع؛ ولذلك فالقاعدة الذهبية عند حدوث آلام أثناء الجماع هي: "توقّفوا عن الإيلاج.. وابحثوا عن السبب وعالجوه.. واستمتعوا بالمباشرة بدون إيلاج حتى يتم علاج السبب وتزول الآلام".
الآلام المهبلية تحدث بسبب الالتهابات أو بسبب جفاف المهبل:
جفاف المهبل: مرحلة الإثارة تكون مصحوبة بزيادة الإفرازات المهبلية؛ وهي إفرازات طبيعية تفرز من غدد بارثولين الموجودة في جانبَي المهبل، وهذه الغدد تفرز سائلا مائيا لزجا يسهل عملية الإيلاج، ويمنع الاحتكاك المؤلم، ويحقق المزيد من المتعة.
من أسباب هذا الخلل:
١- عدم التمهيد الكافي بالمداعبة الزوجية قبل بدء المعاشرة الجنسية، وبذلك لا تقوم غدة بارثولين بمهمتها، وهي التي تفرز سائلها استجابة للإثارة الجنسية.
٢- ضيق فتحة المهبل، وقد يحدث ذلك بعد الزواج الحديث.
٣- التهاب بالفرج أو بغدة بارثولين أو التهاب المهبل.
٤- التهابات المثانة وقناة مجرى البول.
٥- حساسية المهبل أو المنطقة المحيطة به لبعض الملابس أو الأدوية أو بعض المركبات الكيميائية في الصابون مثلا.
٦- الغضب أو القلق والتوتّر أثناء الجماع.
العلاج:
١- إشباع الزوجة عاطفيا والاهتمام بمشاعرها.
٢- الاهتمام بفترة المداعبات والملاطفة لوقت أطول؛ حتى يتم الترطيب المهبلي الذي يساعد على تسهيل الإيلاج الزوجي.
٣- إذا كانت الزوجة تشعر بالجفاف المهبلي يمكنها استعمال مرهم مرطب موضعي مثل جل Astroglide or K-Y.
أما عن الآلام العميقة التي تحدث بسبب احتقان الحوض وقد يصاحب هذا الألم حدوث تقلّصات لعضلات الحوض محدثا تشنّج الفرج الثانوي.
ماذا عن العلاج، وما هي طرق التغلّب على الاضطرابات الجنسية التي تعانيها المرأة؛ فانتظرونا في الحلقة القادمة...